مستقبل السلام في اليمن.. بعد اتفاق الحوثي وأمريكا
*وحدة الدراسات السياسية بالمركز
مقدمة
شهدت اليمن في ٧ مايو 2025م تطوراً بارزاً بإعلان الرئيس الامريكي بشكل مفاجئ عن ايقاف الهجمات الامريكية ضد جماعة الحوثي المصنفة إرهابية أمريكيا، معللا ذلك بإن الجماعة طلبت الاستسلام والتوقف عن مهاجمة السفن مقابل إيقاف الهجمات الأمريكية، ثم أعلنت سلطنة عُمان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين، بعد جهود وساطة إقليمية ودولية مكثفة. يأتي هذا التوصل في ظل تصاعد التهديدات البحرية للحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وتصعيد الضربات الأمريكية-الإسرائيلية على مواقعهم والبنى التحتية المدنية في اليمن. لكن التساؤل: هل يمهد هذا التفاهم أو الاتفاق لسلام دائم، أم هو مجرد هدنة مؤقتة في حرب مستعرة منذ عقد؟
---
1. طبيعة الاتفاق وتداعياته المباشرة
- بنود الاتفاق أو التفاهم: يشمل وقفاً فورياً للهجمات بين الطرفين، مع التزام بعدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وضمان حرية الملاحة الدولية .
- ردود الفعل:
- أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الحوثيين "استسلموا"، بينما نفى المتحدث الرسمي للحوثيين، محمد عبد السلام، أي تنازل عن دعم فلسطين أو وقف الهجمات على إسرائيل، مؤكداً أن الاتفاق لا يشملها .
- أشارت عُمان إلى أن الاتفاق يهدف إلى "خفض التصعيد"، لكنه لا يحل الأزمة السياسية الجذرية في اليمن .
---
2. التحديات الرئيسية أمام السلام
أ. *الانقسامات الداخلية والإقليمية*:
- *الحوثيون*: يُعتبرون قوة عسكرية وأيديولوجية مدعومة من إيران، ويرون أنفسهم جزءاً من "مقاومة إقليمية" ضد إسرائيل والغرب، مما يعقد اندماجهم في عملية سياسية محايدة وشراكة مدنية مع الأطراف اليمنية الأخرى .
- *الحكومة اليمنية*: تعاني من ضعف الحضور وغياب الوحدة بين فصائلها، ما يجعلها عاجزة عن فرض سلطة مركزية، ونجاح في خلق نجاح واستقرار في ابمناطق التي تسيطر عليها.
- *الدور السعودي والإماراتي*: تسعى السعودية لتحقيق استقرار في حدودها الجنوبية، لكنها تواجه ضغوطاً أمريكية لربط تنفيذ "خريطة الطريق" بوقف الهجمات الحوثية على إسرائيل كما تشير بعض الآراء. ويبدو هنالك تباين في وجهات النظر بين الإمارات والسعودية في الملف اليمني .
ب. *التدخلات الخارجية*:
- *إيران*: تدعم الحوثيين عسكرياً وأيديولوجياً، مما يزيد من تعقيد المفاوضات ، وتعتبر الحوثي ورقتها الرابحة الان لاستنزاف الغرب وابتزازه لتحقيق شروط تفاوض في معاظلة الصراع.
- *الولايات المتحدة الأمريكية*: تتعامل مع الملف اليمني من منظور أمني بحت، كجزء من حماية الملاحة الدولية ومواجهة النفوذ الإيراني، مما قد يُهمل الأولويات الإنسانية.
- كما أن الإدارة الأمريكية التي بدت متحمسة بقوة لضرب الحوثي في البداية واتهامه بإشعال المعركة بدلا من إيران ، تراجعت بعد كل ذلك الخطاب، واكتفت بما تسميه إنجاز حماية الملاحة في البحر الأحمر وضمان سلامتها.
-
ج. *الأزمة الاقتصادية والإنسانية*:
- توقف تصدير النفط منذ 2022. بسبب هجمات صاروخية من جماعة الحوثي على ميناء التصدير بحضرموت وتعطيله، أدى إلى انهيار الاقتصاد، وإفراغ خزينة الحكومة الشرعية من مصدر رئيسي لتمويلها يمثل 70 % من الموازنة، مع تضرر البنية التحتية وانتشار المجاعة .
- يتطلب التعافي استئناف تصدير النفط والغاز ، لكن الخلافات حول توزيع العائدات تظل عقبة، إذ يصر الحوثي على حصته من هذه العوائد.
---
3. سيناريوهات مستقبلية محتملة
1. *تفعيل خريطة الطريق الأممية*:
يبدو أن إعادة تفعيل هذه الخارطة التي اوشكت على الموت بات حاضرا بقوة ، إذ تقترح الخريطة ثلاث مراحل: وقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار، ثم الحل السياسي. على مراحل تمتد لربما سنتين.
لكن تعثر التوقيع عليها يرجع إلى رفض الحوثيين الربط بين المكاسب الاقتصادية ووقف الهجمات العسكرية .
- قد تُستخدم الاتفاقات الاقتصادية الجزئية (مثل صرف الرواتب) كجسر لبناء الثقة . وإن كانت محل خلاف تحديدا من جانب الحوثي الذي لايريد أن يتحمل أي كلفة من هذه الفواتير الاقتصادية، برغم حصوله على مداخيل إجبارية تفوق ما تحصل عليه الحكومة الشرعية من الضرائب وغيرها.
2. *تصعيد عسكري جديد*:
- في حال فشل المفاوضات، او تعثر الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا؛ قد تشن قوات مدعومة أمريكياً وغربياً هجوماً لاستعادة الحديدة أو صنعاء، وتحفيز الحكومة الشرعية للقيام بذلك ودعمها عسكريا وسياسياً.
- يرى بعص الخبراء من أن أي عملية عسكرية ستزيد معاناة المدنيين وتعمق من طول فترة التوصل إلى حل، بينما يرى آخرون أن انتصار أحد الأطراف ربما يكون الحل الأخير لأزمات منتظرة قد تحصل حتى مع وجود أي اتفاق. بالأخص إذا ما انتصرت الشرعية فإن استقرارا للدولة اليمنية سيعود ويخرجها من دائرة الأزمة. وإقلاق أمن المنطقة.
3. *استمرار الوضع الراهن*:
- قد تستمر حالة "اللاحرب واللاسلم"، حيث تستفيد الأطراف المحلية والدولية من الأزمة لتحقيق مصالح قصيرة المدى، مثل السيطرة على الممرات البحرية أو تعزيز النفوذ الإقليمي . وتظل حالة الانقسام موجودة تغذيها استقطابات خارجية بحسب طبيعة الصراع والنفوذ الدولي.
---
4. متطلبات تحقيق السلام المستدام
- *التوافق السياسي*:
- إشراك جميع الفصائل اليمنية (بما في ذلك الحوثيون) في حوار وطني تحت رعاية أممية، مع ضمانات بعدم استبعاد أي طرف . لكن ذلك كما يشير خبراء لن يتم مالم تجرد جماعة الحوثي من السلاح زتفك ارتباطها بإيران وتتحول لحزب سياسي لاقوة عسكرية.
- توحيد قوات الجيش تحت قيادة واحدةـ"مجلس القيادة الرئاسي" . وتعزيز التفاهم السياسي، للوصول لحالة السلام.
- *الدعم الاقتصادي*:
- إعادة بناء البنية التحتية في عدن وصنعاء، وبقية المحافظات. وتحسين الخدمات الأساسية كالكهرباء .
- ضخ استثمارات دولية في القطاع الخاص لخلق فرص عمل ، وانعاش القكاع العام والحكومي بمساعدات أو ودائع كبيرة.
- *الضغط الدولي*:
- فرض عقوبات على الأطراف المماطلة في المفاوضات، مع مراقبة تنفيذ الاتفاقات . مع ضرورة الاخذ بعين الاعتبار تملصات جماعة الحوثي المستمرة للنكوص وتعطيل الاتفاقات لصالح السياسة الايرانية.
- تعزيز التعاون الإقليمي بين السعودية والإمارات وعُمان لإغلاق منافذ التسلل الإيراني .
---
5. الخلاصة
اتفاق وقف إطلاق النار بين الحوثيين وأمريكا يمثل خطوة أولى نحو تخفيف التوتر، لكنه لا يضمن السلام الدائم. مستقبل اليمن يعتمد على قدرة الأطراف المحلية والدولية على معالجة الجذور العميقة للنزاع، واخراج الاطراف الخارجية من المعادلة. ووشع حلول مستعجلة لقضايا ملحة مثل الفقر والبطالة وعجز الموازنة والانقسامات السياسية، وليس مجرد إدارة الفصائل العسكرية.
ففي غياب إرادة حقيقية لتحقيق تسوية شاملة، قد تتحول اليمن إلى ساحة دائمة للصراعات بالوكالة، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
---
**مراجع **:
- [1] معهد واشنطن: السعي لتحقيق سلام مستقر في اليمن.
- [2] القدس العربي: السلام في اليمن بين بيادق الداخل ومشاريع الخارج.
- [3][4][8] BBC، CNN، RT: تفاصيل الاتفاق وردود الفعل المتباينة.
- [6][7] ANF، الخليج أونلاين: التحديات الاقتصادية والسيناريوهات العسكرية.